ظن الاتحاد الأوروبي أن سويسرا سوف تَنَضَمّ إلى هذا النادي السياسي عاجلاً أم آجلاً، ولهذا السبب فقط قَبِل الإنخراط معها في مَسار خاص. لكن الدولة الواقِعة في قلب أوروبا لا تفكر باتخاذ هذه الخطوة إطلاقاً، وهي على العَكس من ذلك تَبتَعد أكثر فأكثر عن الاتحاد الأوروبي، فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
من وُجهة نَظَر الاتحاد الأوروبي، سويسرا بلدٌ صَعب المراس؛ ففي عام 1992 رَفَضَ الناخبون السويسريون وبأغلبية ضئيلة جداً (%50,3) دُخول البِلاد إلى المَجال الإقتصادي الأوروبي، وفي عام 2021، قَرَّرَت الحكومة السويسرية وضع حد للمفاوضات بشأن التوصّل لاتفاق إطاري مؤسساتي مُثير للجَدَل بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وعندما يتعلق الأَمر بالتعاون الإقتصادي بين الطَرَفين يكون رَدّ سويسرا دائماً "نعم، بالطبع!"، لكنه عندما يَرتَبِط بالمَزيد من التكامُل السياسي أو حتى العضوية، يكون رَدُها "لا، شكراً". وقد أكسَبَها هذا الموقف في بروكسل سُمعة الدولة الإنتقائية التي تَتَّبع مَنهجية الاكتفاء بـ "قطف حبات الكَرَز".
لكن الكثير من السويسريين يَرون الأَمر بشكل مُختلف؛ فهُم ينظرون إلى أنفسهم كشعب مُتَطَلِّع للحُرّية يُقَرِّر مَصيره بِنَفسه، ويَرفَع الاصبع الأوسط في وَجه الغُرباء (ورئيسات المفوضيات) - كَتَعبير عن الإزدِراء - كما فَعَل بَطَلَهم القومي فيلهَلم تَلّ. وكما يقول فابيو فاسَّرفالَّن، أستاذ مادة السياسة الأوروبية في جامعة بَرن: "ان الغِنى والاستقرار الدائم الذي تَتَمَتَّع به سويسرا يَجعلاها تَرفُض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي". وفي الواقع، فإن هذا الدافع هو أهَمّ من حبها المَزعوم للحرية.
إذن؛ هل يعود السَبَب إلى العَقليّة السويسرية أم إلى الثروة؟ ولماذا هذا التَشَبُّث بالماضي من جانب سويسرا؟ SWI swissinfo.ch قامَت بِجَمع أهَم الدوافع لِعَرضَها عليكم.
الانضمام لا يُضيف شيئاً
من وُجهة نَظَر فاسَّرفالَّن، فإن سويسرا ليست مُتَمَيّزة إلى هذا الحَد في الواقع. الأمر بِبَساطة هو أن العديد من العوامل التي تَجعل عضوية الاتحاد الأوروبي جَذّابة بالنسبة لِبُلدان أخرى، ليست بِذات الأهمية لسويسرا. وكما يقول: "من ناحية، فإن سويسرا ليست مستهدفة من روسيا، وبهذا يَسقط الجانب الأمني. وعلى عَكْس إسبانيا أو اليونان، اللتان كانتا لا تزالان تُعانيان من الدكتاتوريات في القرن العشرين، لا يوجد لدى سويسرا مُوجِب يتعلَّق بالاستقرار السياسي يدعوها للانضمام". وبِحسب كلمات فاسَّرفالَّن: "نادِراً ما تتمتع أي دولة أخرى بالاستقرار السياسي مثل سويسرا".
ومن وُجهة نَظَر اقتصادية، لَمْ يَعُد الانضمام مُغرياً كما كان من قبل. وبرأي فاسَّرفالَّن، أصبحت العضوية أقل جاذبية لدولة غنية مثل سويسرا منذ تَوَسُّع الاتحاد باتجاه الشرق. وينطبق هذا أيضاً في الواقع على دول مثل الدنمارك أو السويد. وحَسْب اعتقاد أستاذ السياسة الأوروبية في جامعة بَرن: "من المُحتَمَل أن دولةً أو أكثر من دول الاتحاد ما كانت لِتَنضَم إلي هذا التَجَمُّع الأوروبي لو عدنا قليلا إلى الوراء".
المَسار المُنفرد أثبت جدارته
بالإضافة إلى ذلك، كان أداءُ سويسرا في مَسارها الخاص جَيّداً حتى الآن. وبهذا الصدد تقول ستيفاني فالتَر، أستاذة العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في جامعة زيورخ: "حتى الآن، أتاح ترتيب الإتفاقيات الثُنائية لسويسرا الحِفاظ على علاقة وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، ولكنها علاقة مُصَمَّمة بشكل مباشر [لتلبية] الاحتياجات السويسرية". لذا فإن رَغبة غالبية السكان - ومَعَهُم غالبية السياسيين والعاملين في قطاع الاقتصاد - بالحِفاظ على الوَضع الراهن ليس مُستَغرباً".
سويسرا غنية جداً
من وُجهة نَظَر سويسرا، تُعتَبَر فَجوة الثروة واحدة من أكبر المشاكل. فانضمام سويسرا إلى هذا النادي سيجعل منها دولة مُساهمة بشكل تام في صناديق الاتحاد، أي من بين تلك الدول التي تَدْفع أكثَر إلى الاتحاد الأوروبي مما تَحصل عليه. كذلك تَخشى سويسرا الإغراق في الأجور بِسَبَب ارتفاع المُرَتَبات وتكاليف المعيشة في سويسرا بالمقارنة مع دول الاتحاد، وتَزايد أعداد مواطني الاتحاد الأوروبي المُستفيدين من صناديق الضمان الاجتماعي السويسرية.
0 Comments: