ودّع الطفل المغربي ريان، وقطع الشك باليقين، وأنهى مأساة الانتظار التي طالت 5 أيام من أجل إخراجه من الجب الضيّق العميق الذي زلت فيه قدمه، فهوى إلى قاعه، عندما كان يدرج على بوابة الجب السحيق، المأساة التي أبكت وأحزنت ملايين العرب
ليس ريان أول من زلت به قدمه إلى قاع بئر مظلمة، لكنه حجز لنفسه أكبر مساحة ضوء منذ عقود، وتحوّل إلى أيقونة للألم والوحدة والمشاعر الجامعة بين العرب من المحيط إلى الخليج، كما تقول العبارة المكررة القديمة.
ابن الربيع الخامس، مكث في الجب 5 أيام، ثم خرج بعد كثير من الحفر والتنقيب والصبر والألم، وهو جثة هامدة، بعدما طال انتظار والديه اللذين طويا الكبد الحَرَّى على جمر الترقب، وهما لا يعرفان أريانُ حي فيرجى أم أتى دونه الأجل؟
ينتمي الطفل الراحل إلى قرية أغران الجبلية الصغيرة التابعة لمدينة شفشاون الزرقاء المعروفة بمعالمها السياحية وبتاريخها القرآني العاطر، وإلى حين سقوطه في الجب الضيق، لم يكن الراحل أكثر من وردة عاطرة تزخرف بيت وحياة والديه، ومسيرة أشواق تبرعمها الآمال بين أبوين ريفيين، قبل أن يتحول إلى أشهر شخصية عربية خلال أيام الانتظار والترقب.
عاش بين والديه في رغد من الحب الباذخ 5 أعوام، فكانت لقصرها كأنها أيام، ومرت مرور السحاب سرعة وبهاء وجمالا، ثم جاءت أيام الانتظار الممض فكانت لطولها وثقلها كأنها أعوام، تاركة في ذاكرة الأيام علامة فارقة وعنوانا للألم والحسرة.
واشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ووحدت بين مختلف الأطياف العربية التي تنافست في تقديم الاقتراحات والأفكار الإنقاذية، وفي استمطار الفرج عبر الدعاء والتوسل والمساندة الأدبية، لتعيد تحريك جذع الوحدة العربية المعطلة منذ عقود، ولو في سياق المشاعر والتضامن الذي قرع أبواب كل بيت ودخل بمشاعر الألم وأكاليل الدعاء.
وفي مقابل هذه الهبّة العربية الواسعة، غابت تقريبا قضية ريان عن وسائل الإعلام ومنصات التواصل في العالم الغربي، في حالة اعتبرها كثيرون مفاجئة وغير مفهومة في تعاطي الرأي العام الغربي مع القضايا ذات الطابع الإنساني خارج حدوده.
إنقاذ ريان.. ملحمة الأيام الخمسة
كان إنقاذ ريان الرهان الأكبر الذي خاضته المملكة المغربية التي جهزت كل وسائلها المتاحة من أجل إعادة الطفل إلى حضن والديه، حيث سخّرت عددا كبيرا من وسائل الإنقاذ ورجال الإسعاف، لكن القدر كان أسبق إلى طفل عانى 5 أيام طوال من ضيق باطن الأرض وظلام الجب.
وكما وحَدَت مأساة ريان العالم العربي، فقد وحّدت بشكل واضح الطيف المغربي من القصر إلى مختلف القوى السياسية والاجتماعية والدينية، وانتهت باتصال من الملك محمد السادس بوالدي ريان يبلغهما فيه تعازيه وتضامنه.
قصص متعددة لا تقلّ حزنا وألما عن مأساة الطفل ريان، ودموع حارة خددت وجوه آلاف الآباء والأمهات المكلومين، تدعو كل العواطف المثقلة بجراح ريان الغائرة إلى الالتفات إلى ضفاف الجراح التي تعجّ بالطفولة الموءودة.
0 Comments: